ادعمنا

المدرسة الإنجليزية في العلاقات الدولية - The English School in International Relations

المدرسة الإنجليزية في العلاقات الدولية، أو مدخل المجتمع الدولي-International Society Approach  هو إسم يطلق على مجموعة من المنظرين والمفكرين الإنجليزيين أو المتأثرين بهم في مجال العلاقات الدولية، والذين نشرت مؤلفاتهم اللجنة البريطانية لنظرية السياسة الدولية-(British Committee on the Theory of International Politics)، والتي تأسست سنة 1959 واستمرت حتى بداية الثمانينات، وتتسم مؤلفات هؤلاء المنظرين بمركزية مفهوم المجتمع الدولي-International Society حيث يرون أن المجتمع الدولي تشكله الدول ذات السيادة من خلال علاقاتها وتفاعلاتها مع بعضها البعض. والفكرة العامة للمجتمع الدولي تكمن في أن هناك العديد من التفاعلات والأنشطة الدولية داخل الدولة القومية وعبر حدودها لا تشملها فكرة النظام الدولي، وهذه العمليات هي جارية ومؤثرة، ويزداد تأثيرها في السياسة الدولية كعمل المنظمات الدولية مثلاً، وهذا الجزء هو من التفاعلات لا يمكن إدراجه تحت مصطلح النظام الدولي، وإنما المصطلح الأنسب هو المجتمع الدولي وذلك لسبب بسيط وهو أنه لم يعد لحدود الدولة القومية أي تأثير أو معنى في ميزان هذه الأنشطة، كما يعتبرون أن المجتمع الدولي يعني الواجبات المشتركة ما بين الدول، على عكس النظام الذي يقتصر على التفاعلات والأنشطة فيما بينها.

وينظر أتباع هذه النظرية إلى المجتمع الدولي على أنه مجتمع فوضوي، ولكن هذا لا يعني أن هناك صراع مستمر بين الدول كما يصف الواقعيون الفوضى، بل على العكس من ذلك، فإنهم يرون أن القانون الدولي والأعراف والقواعد الدولية تَحد من العنف في هذا المجتمع إلى حد كبير، كما يميز أتباع هذه النظرية ما بين المجتمع المحلي والمجتمع الدولي، حيث يتسم المجتمع المحلي بوجود القانون والسلطة التنفيذية والسلطة المركزية العليا التي تحافظ على السِلم والأمن الأهلي، بينما تغيب عن النظام الدولي السلطة المركزية العليا، مما يجعل الدول تسعى لزيادة قوتها لتحافظ على أمنها القومي.

وبدقة أكثر فنظرتهم هذه لا تعني أن المجتمع الدولي فوضوي بمعنى- (Chaos)، بل يعتقد مفكرو المدرسة الإنجليزية أن هناك نسقاً ونظاماً ونوعاً من أنواع الهرمية- (Order) أكثر مما يعتقد الواقعيون

إن أول من أشار للمدرسة الإنجليزية بهذا الإسم هو روي جونز-(Roy E. Jones) في مقال نشره في مجلة الدراسات الدولية سنة 1981 والذي حمل عنوان: (المدرسة الإنجليزية في العلاقات الدولية: قضية للغلق-The English School of International Relations: A Case for Closure) حيث دعى في مقالته إلى إغلاق هذه المدرسة لأنها لا تقدم الكثير، وأنها لا تشكل نسيجاً متكاملاً، وقد جاء الرد حاسماً على هذا الإدعاء من  باري بوزان-Barry Buzan  وفريق من علماء السياسة في بريطانيا، حيث أوضحوا أن المدرسة الإنجليزية في الحقيقة لم تُعطَ الأهمية التي تستحقها، ولم تُستغل من قِبل الأكاديميين لتطوير مدخل مستقل لدراسة العلاقات الدولية، حيث يرون أن المدرسة الإنجليزية تنفرد بنظرتها وتصورها حول مفهوم المجتمع الدولي، كما تنفرد بوضع يكاد يجمع ما بين العديد من التيارات والمداخل في العلاقات الدولية، وقد ساعد على عودة الإهتمام بالمدرسة الإنجليزية بروز النظرية البنائية-Constructivism والتي تركز على الهوية والقِيم والمجتمع والقواعد، وبهذا تتلاقى مع أطروحات المدرسة الإنجليزية.

وفي الوقت الراهن، فإن المدرسة الإنجليزية لم تعد مُهملة كما كان الحال سابقاً، ومن المؤشرات على ذلك: إدراج المدرسة الإنجليزية وأطروحاتها ضمن الكتب الأكاديمية المؤثرة، وكذلك الحال بالنسبة إلى العدد الكبير من النقاشات حولها والتي ظهرت في مجلات علمية رائدة، وفي الحقيقة فإن تأثير  المدرسة الإنجليزية على صناعة القرار يدعو إلى الإشارة إلى أنها تعتبر بمثابة الصوت النظري المسيطر في بريطانيا، وأنها تلقى إهتماماً كبيراً بأعمالها خارج بريطانيا، في القارة الأوروبية، والولايات المتحدة الأمريكية، وكندا، وأستراليا والصين، والهند.  

 

موقع المدرسة الإنجليزية في نظريات العلاقات الدولية:

تُصنف المدرسة الإنجليزية على أنها من النظريات التفسيرية/العقلانية (كالواقعية، الليبرالية) في مقابل النظريات التأويلية/التأملية (كالنقدية، الجندرية، وغيرها)، وأما في داخل النظريات التفسيرية/العقلانية، فتُصنف المدرسة الإنجليزية على أنها بمثابة الجسر الواصل ما بين الواقعية والليبرالية، حيث تتلاقى العديد من افتراضات هذه النظريات في أطروحات المدرسة الإنجليزية، مع وجود اعتبارات خاصة للمدرسة الإنجليزية حول كل افتراض (كما سيأتي عند الحديث عن الإفتراضات الرئيسية).

ويرى أنصار المدرسة الإنجليزية أنها تحتل موقعاً متوسطاً في حقل العلاقات الدولية إلى جانب النظرية البنائية، وهذا الموقع هو موقعٌ مفضل لنظريات الإتجاه السائد المسيطرة كالواقعية الجديدة والليبرالية الجديدة، وحتى للأبدال الأكثر تطرفاً (كالنظرية النقدية، وما بعد البنيوية)، وتنجذب هذه النظريات إلى منظور المدرسة الإنجليزية لأنه يعطي توليفة من النظريات والمفاهيم المختلفة، وبناء على هذا، فإن منظور المدرسة الإنجليزية يتجنب التأطير وحصر التفكير بـ إما "هذا" أو "ذاك"، كما حدث في فترة الثلاثينيات والأربعينيات حيث كان الإختيار ينحصر في الواقعية أمام المثالية، ويتجنب منظور المدرسة الإنجليزية كذلك الإنقسام الثنائي ما بين النظريات التفسيرية مقابل النظريات التأويلية، والذي ولَّد حواراً مشتعلاً خلال التسعينيات وما تبع النقاش الرابع-Fourth Debate، وعِوضاً عن هذه الإنقسامات تدعو المدرسة الإنجليزية إلى إعطاء تصور لتخصص العلاقات الدولية يجمع ما بين النظرية والتاريخ، وكذلك بين الأخلاق والقوة، وأيضا بين الفاعلية والهيكل (إرادة الفرد وفاعلية النظام). 

 

أبرز المنظرين للمدرسة الإنجليزية:

ينتمي إلى المدرسة الإنجليزية منظرين بارزين على صعيد مجال العلاقات الدولية بشكل عام، وهم من منظري المدرسة الإنجليزية بشكل خاص، ومن أهمهم سنذكر:

1- هوغو غروتيوس-Hugo Grotius (1583-1645): تعتبر كتابات هوغو غروتيوس حول القانون الدولي المرجع الأساسي للمدرسة الإنجليزية، ففي كتابه (قانون الحرب والسلام) يشير غروتيوس إلى أن الدولة هي الفاعل الأساسي في العلاقات الدولية، وأن الدول تضع قواعد وقوانين لتنظيم علاقاتها بالبيئة المحيطة بها، وتلتزم الدول بهذه القواعد طواعية، لأنها تعكس مصالحها وخيارها العقلاني، وتجدر الإشارة إلى فكرة من أفكار غروتيوس الأساسية ألا وهي أن القوة وميزان القوى ليست المحدد الأساسي لسلوك الدول، ولكن قواعد القانون الدولي أيضاً تعتبر محدداً كبيراً في أغلب الأحيان لهذه العلاقات.

وبناءاً على هذه الأفكار استند مارتن وايت-Martin Wight بإشارته إلى أن الدول تلتزم طواعية بقواعد القانون الدولي، لأنه في النهاية أفضل من الخيارات الأخرى للدول (مثل: الفوضى أو الصراع المستمر).

2- إمانويل كانت-Immanuel kant (1724-1804): تعتبر كتابات الفيلسوف الألماني كانت مرجعاً للكثير من التيارات الفكرية في دراسة العلاقات الدولية، وبصورة خاصة تلك التيارات التي تنطلق من مفاهيم كالعدالة، والسلام، والديموقراطية، والتي تعطي أيضاً القِيم والأخلاق دوراً في تحديد سلوك الفاعلين الدوليين، وهذه التيارات هي النظرية المثالية، الليبرالية، والمعيارية.

ويستند أتباع المدرسة الإنجليزية إلى فلسفة كانت وخاصة التي تحدث فيها عن السلام الدائم، والحكومة العالمية، لينطلقوا منها إلى افتراضهم الرئيسي حول مفهوم المجتمع الدولي، ومن هنا يعتبر جزء من فلسفة كانت مرجعاً لطرح المدرسة الإنجليزية. 

3- مارتن وايت-Martin Wight (1917-1972): يعتبر وايت المُنظر الرئيسي لما أصبح يُعرف لاحقاً بالمدرسة الإنجليزية، على الرغم من أنه لم ينشر مؤلفات في حياته سوى القليل، إلا أن القسم الأكبر من مؤلفاته تم نشرها بعد وفاته من قبل زوجته غابرييل بمساعدة هيدلي بُل، وتعد مساهمة وايت جوهرية في تأسيس (اللجنة البريطانية لنظرية السياسة الدولية) بمشاركة المؤرخ الإنجليزي الشهير هربرت بترفيلد-Hurbert Butterfield.

يعتبر أهم ما طرحه مارتن وايت في واحدة من أشهر مقالاته والتي حملت عنوان (لماذا لا يوجد نظرية دولية؟)، وطرح فيها فكرة أن (إذا كانت النظرية السياسية هي تقليد التأمل في موضوع الدولة، فإن النظرية في العلاقات الدولية هي التأمل في مجتمع الدول، أو الأسرة الدولية)، وهو يشير بذلك إلى قياس موضوع التحليل في نظرية العلاقات الدولية على موضوع التحليل في النظرية السياسية والتي تعتبر موضوع تحليلها هو الدولة (أي أن مرد غياب نظرية دولية كما هو الحال في النظرية السياسية هو بسبب الفرق مابين المجتمع المحلي والمجتمع الدولي، وخاصة مسألة غياب السلطة المركزية العليا في المجتمع الدولي). 

4- هيدلي بول-Hedley Bull (1932-1985) : ولد هيدلي بول في أستراليا، وتخرج من جامعة سيدني سنة 1952 حيث اختص بالفلسفة والقانون، وبعد ذلك انتقل إلى كلية لندن للإقتصاد والسياسية وهناك التقى بأستاذه مارتن وايت، حيث ترك فيه الأثر الأكبر ويظهر ذلك في أعمال بول الشهيرة ككتابه (المجتمع الفوضوي) والذي يعد من أهم مراجع المدرسة الإنجليزية.

وتعتبر مساهمة بول الكبرى في تطويره لمفهوم النسق-Order في المجتمع الدولي، وقد أبرز بول الهوية المنهجية للمدرسة الإنجليزية من خلال ما قدمه في النقاش الثاني-Second Debate في العلاقات الدولية، حيث مثّل بول التيار التقليدي-Traditional Approach  أمام التيار السلوكي-Behaviorist Approach والذي مثله حينها مورتن كابلان، وقد ساهم بول بدور كبير في تحديد مسار علم العلاقات الدولية من خلال تشديده على أهمية دراسة العلاقات الدولية عبر دراسة التاريخ والفلسفة السياسية، والقانون الدولي، وتشكيكه بالمنهج السلوكي ومنهجيته التي تعتمد الوضعية كفلسفة ومرجعية لها. من ثم انتقل بول إلى الولايات المتحدة ودرّس في جامعة هارفرد ومن ثم جامعة شيكاغو، قبل أن يعود إلى إستراليا سنة 1966 وقد توفي بها سنة 1985.

5- باري بوزان-Barry Buzan  (1946-؟؟؟؟): هو أستاذ العلاقات الدولية بكلية لندن للإقتصاد والعلوم السياسية (LSE)، ومدير معهد كوبنهاغن لأبحاث السلام (CPRI)، ولبوزان مؤلفات عديدة لاقت إهتماماً واسعاً بين دارسي العلاقات الدولية، كما أنه يعتبر من أهم منظري المدرسة الإنجليزية المعاصرين، ويبرز دوره تحديداً في مجال الدراسات الأمنية، حيث يعتبر بوزان من أوائل المساهمين في إعادة صياغة مفهوم الأمن وفق المتغيرات والظواهر المستجدة، ومن أهم ما طوره بوزان هو مفهومه حول "المعضلة الأمنية-Security Dilemma"، حيث يعتبر بوزان أن الفوضى الدولية تعرض الدول للمعضلة الأمنية، وتكتسب مقاربة بوزان أهميتها من ناحية أنها تتعامل مع جميع نواحي الظاهرة الأمنية، وإدراجه للعوامل الإجتماعية للأمن، وينطلق باري بوزان من الصور الثلاثة للتحليل في العلاقات الدولية والتي وضعها كينيث والتز-Kenneth Waltz، من حيث تقسيم دراسة الأمن إلى مستويات ثلاث هي: (الفرد، الدولة، المجتمع الدولي)، وذلك في إشارة منه لصعوبة الفصل لتحديد المرجعية للأمن، غير أن أمن الفرد والأمن الدولي يبقى تابعاً لأمن الدولة باعتبارها المرجعية الأهم. 

هذا من حيث الإتفاق مع الواقعيين، إلا أن المدرسة الإنجليزية وروادها -كما سيأتي- قد طوروا مفاهيمهم الخاصة، ويظهر ذلك في إختلاف بوزان عن الواقعيين في:

1- تمييزه بين الدول تبعاً لأنظمتها وفعالية سلطتها، وأخذه بعين الإعتبار العناصر المتعلقة بالسياسة الداخلية.

2-   رؤيته لضرورة التخلي عن التمييز التقليدي بين الأمن الداخلي والأمن الخارجي، والدراسة الديناميكية للأهداف الأمنية.

3- تأكيده على وجود توتر دائم ما بين أمن الأفراد والأمن الجماعي، وبأن هذه الوضعية تؤدي إلى المعضلة المركزية للأمن.

4- تأكيده على الطابع اللامتناهي الذاتية للتهديد الخاضع من قبل كافة العوامل، واعتقاده بأن المصدر الذي من الممكن أن تنشأ منه التهديدات هو مصدر ظرفي متغير لا ثابت.

 

الافتراضات الرئيسية للمدرسة الإنجليزية:

تستند أطروحات منظري المدرسة الإنجليزية إلى ستة افتراضات أساسية، يسعون من خلالها لتفسير العلاقات والتفاعلات الدولية، وهذه الافتراضات هي:

1- يفترض أتباع هذه المدرسة أن العالم يمكن فهمه على أنه مجتمع دولي-International Society والذي تغيب عنه السلطة المركزية، وفي هذا المجتمع توجد فيه مجموعة من القوى الفاعلة على رأسها الدولة الوطنية-Nation State.

وإذا ما تطرقنا إلى مفهوم المجتمع الدولي وماهيته من وجهة نظر أتباع هذه المدرسة، فلا بد لنا من سَرد تعريفات هولاء المنظرين للمجتمع الدولي، حيث يعرفه هيدلي بول- Hedley Bullبأنه: "مجتمع من الدول ينشأ حين تُشكل مجموعة من الدول بوعيٍ منها لوجود مصالح مشتركة معينة، أو قِيم مشتركة معينة، مجتمعاً بمفهوم أنها تعتبر نفسها مُتلزمة بمجموعة مشتركة من الأحكام في علاقة كل منها بالأخرى، وتشترك في عمل مؤسساتها المشتركة". 

أما آدم واتسون-Adam Watson فيعرف المجتمع الدولي على أنه: "مجموعة من الدول أو مجموعة من الوحدات السياسية المستقلة التي لا تؤلف نظاماً دولياً، بمعنى أن كل فاعل-Actor من الفاعلين يأخذ بعين الاعتبار سلوك الفاعلين الآخرين فقط، وأيضاً تُشكل هذه الوحدات من خلال التفاعل المتبادل تفاهماً يضع قواعد وقوانين ومؤسسات تحكم سلوك الأعضاء في هذا المجتمع الدولي". 

وعن اعتمادهم لمصطلح المجتمع على حساب مصطلح النظام، يقول آلان جاميس-Alan James في مقالته "مجتمع أم نظام؟": "إن المجتمع يخضع إلى رغبات ونزوات الذين يتألف منهم ويعبر عنها، فهو يعكس أفعال وردود أفعال مكوناته وأعضائه، وهؤلاء الأعضاء سوف يتأثرون بحساباتهم وآمالهم وأغراضهم ومعتقداتهم ومسببات قلقهم ومخاوفهم، وكافة العناصر الأخرى للوضع الإنساني، ولهذا السبب نجد أن مصطلح المجتمع هو في ظلال معانيه الإختيارية أكثر قدرة من مصطلح النظام على تلخيص الدول في مجموعها". 

2- يعتبر أتباع هذه المدرسة أن مفهوم النسق-Order بالمعنى الذي يشير إلى نوع من الهرمية والتراتبية في المجتمع الدولي مكانة هامة لديهم، حيث أن هذه النسقية والهرمية ليست ناتجة من توازن القوى بين الفاعلين فقط، بل أيضاً من قبولهم لمجموعة من المبادئ المشتركة والمؤسسات والترتيبات المتفق عليها، والتي تحكم سلوك هذه الدول.

كما يتفق أتباع هذه المدرسة مع طرح النظرية الواقعية حول أهمية التركيز على المصلحة الوطنية والعوامل المادية لفهم العلاقات الدولية، ولكن دون أن يغفلوا دور القيم والأفكار في التأثير على سلوك الأفراد والدول في علاقاتها الخارجية.

وهنا يظهر التقاء طرح المدرسة الإنجليزية مع النظرية الواقعية-Realism حول أولوية تحقيق المصلحة الوطنية لدى الدول.

وكذلك يتفق أنصار هذه المدرسة على أن الفاعلين الدوليين يتصرفون بشكل عقلاني، وإن كانت هذه العقلانية تختلف عن العقلانية بمفهوم النظرية الواقعية، فالعقلانية في طرح المدرسة الإنجليزية تعني "عقلانية" هوغو غروتيوس-Hugo Grotius، والتي تؤكد على عقلانية الدول في تطبيق قواعد القانون الدولي بشكل طوعي.

3- تؤكد المدرسة الإنجليزية على أهمية المدخل الأخلاقي الذي مثله الفيلسوف الألماني إيمانويل كانت-Immanuel Kant، ولكن هذا المدخل الأخلاقي يمزج ما بين الواقعية والبراغماتية بحيث يبتعد عن المثالية التي وُصف بها المدخل الأخلاقي لكانت، وقد ميز أتباع المدرسة الإنجليزية بين مفهوم الأخلاق في طرحهم الخاص عنه في أفكار كانت، حيث أن مفهوم المجتمع العالمي هو مفهوم يمثل المدخل الكانتي فقط، وفيه من اليوتيوبيا والمثالية الشيء الكثير، أما المدرسة الإنجليزية فترى مجتمعاً دولياً وحداته الأساسية هي الدول، وفيه واقعية ممزوجة بالأخلاق. ونرى هنا نقطة التقاء المدرسة الإنجليزية مع طرح النظرية المثالية-Idealism في أهمية الأخلاق.

4-  تمثل قواعد القانون الدولي والأعراف والقيِم نقطة مهمة في أدبيات المدرسة الإنجليزية، حيث أنها تفترض أن الدول فاعل عقلاني يسعى لتحقيق مصالحه، والقانون الدولي كفيل بتأمين هذه المصالح، فيرون أن من مصلحة الدول التعاون واحترام القانون الدولي، وهنا تلتقي المدرسة الإنجليزية مع النظرية الليبرالية-Liberalism في دور القانون الدولي والمنظمات الدولية في المجتمع الدولي.

5- تعتبر المدرسة الإنجليزية أن الأفراد العاديين من أشخاص القانون الدولي وأعضاءاً من أعضاء المجتمع الدولي، وهو ما يتفق مع إتجاه المذهب الموضوعي حول مكانة  الفرد في القانون الدولي، حيث يرى أنصار هذا الإتجاه في فقه القانون الدولي أن الفرد شخص من أشخاص القانون الدولي، بل أن الفرد هو المخاطب الحقيقي الوحيد بكل قواعد القانون سواءاً  أكانت قوانين داخلية أو دولية، وأن الفرد يُعتبر في الواقع الشخص القانوني الوحيد المتصور وجوده في أي نظام قانوني، أما عن الدولة فهي مجرد وسيلة قانونية لإدارة المصالح الجماعية لشعب معين. 

فيما يخلص الإتجاه الحديث في فقه القانون الدولي إلى أن الفرد حالياً يتمتع بوضع قانوني يؤهله لأن يتمتع بشخصية قانونية دولية وإن ضاق نطاقها عن نطاق الشخصية القانونية الدولية للدول.      

ويشتق أنصار المدرسة الإنجليزية من هذا الطرح المبرر والشرعية للتدخل المسلح لأغراض إنسانية -Humanitarian Intervention (والذي تطور ليصبح "مبدأ مسؤولية الحماية"-Responsibility to Protect). 

ويعرف بول روبنسون-Paul Robinson التدخل المسلح لأغراض إنسانية بأنه: "استعمال القوة للتدخل في الشؤون الداخلية لدولة أخرى من دون إذنها لأغراض إنسانية، وتشمل هذه الأغراض: منع الإنتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان أو تقديم الإغاثة من المجاعات، والعنصر الرئيسي هو النية، فالحرب التي يتم خوضها لأغراض أنانية (كالإستيلاء على الأراضي والثروات مثلاً)، وحققت غرضاً إنسانياً من غير قصد لا تعتبر تدخلاً إنسانياً".

6- صعوبة الفصل بين السياسة الداخلية والسياسة الدولية: حيث يعتبرون أن أي فصل للسياسة الداخلية عن السياسة الدولية هو أمر اعتباطي ومن المحتمل أن يكون مضللاً، فمثلاً لا تستطيع الدراسات حول دولة ما أن تقول لنا الكثير حول طبيعة النزاع ما بين الجماعات داخل تلك الدولة، ومن ثم تدفق هذه النزاعات للمجتمع الدولي، وكذلك هو الحال بالنسبة للحياة السياسية والإجتماعية للناس داخل الدول والتي هي في تغير مستمر بسبب تطور الأفكار، والتطور التكنولوجي، والعلاقات التأثيرية بين الدول.

فحدود الدولة مهمة ولكن هي فقط أحد النماذج التي تؤثر على سلوك المجتمع الدولي، وحيث أن هذه الحدود الجغرافية تشمل الدول، إلا أن هناك حدوداً غير جغرافية يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، كتلك الحدود التي تعبرها وظائف متخصصة معينة مثل المنظمات الدولية (مثلاً منظمة الصحة العالمية، قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة)، فهذه المنظمات تعبر الحدود الجغرافية للدول ولكن الخريطة الجغرافية لا تستطيع أن تبين هذه المنظمات عليها كخريطة، وبالفعل فإن هذه المنظمات موجودة حقيقةً ولا تكتمل صورة المجتمع الدولي من دونها.

 

المصادر والمراجع:

د. عامر مصباح، النظرية المعاصرة في العلاقات الدولية، دار المطبوعات الجامعية، الطبعة الثانية، 2011، الجزائر.

تيم دان، المدرسة الإنجليزية، فصل من كتاب (نظريات العلاقات الدولية: التخصص والتنوع)، ترجمة ديما الخضرا، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الطبعة الأولى، 2016، قطر.

د. خالد موسى المصري، مدخل إلى نظرية العلاقات الدولية، دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، 2014، سوريا.

مارتن جرفيش، خمسون مفكراً في العلاقات الدولية، ترجمة مركز الخليج للأبحاث، الطبعة الأولى، 2008، الإمارات العربية المتحدة.

روبرت جاكسون، تطور المجتمع الدولي، فصل من كتاب (عولمة السياسة العالمية)، ترجمة مركز الخليج للأبحاث، الطبعة الأولى، 2004، الإمارات العربية المتحدة.

أندرو لينكلايتر، المدرسة الإنجليزية، فصل من كتاب (نظريات العلاقات الدولية)، ترجمة محمد صفار، المركز القومي للترجمة، الطبعة الأولى، 2014، مصر.

بول روبنسون، قاموس الأمن الدولي، ترجمة مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، الطبعة الأولى، 2009، الإمارات العربية المتحدة.

د. عبدالواحد محمد الفار، القانون الدولي العام، دار النهضة العربية، الطبعة الأولى، 2008، مصر.

رشاد عارف السيد، القانون الدولي العام في ثوبه الجديد، دار وائل للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، 2011، الأردن.

د. توفيق بوستي، مدرسة كوبنهاغن -نحو توسيع وتعميق مفهوم الأمن-،دراسات إستراتيجية،2019، المعهد المصري للدراسات،تركيا.

Roy E. Jones, The English School of International Relations: A Case for Closure, Review of International Studies, Vol. 7, No 1, Jan., 1981, Cambridge University Press, United Kingdom.

 

إقرأ أيضاً

شارك أصدقائك المقال

ابقى على اﻃﻼع واشترك بقوائمنا البريدية ليصلك آخر مقالات ومنح وأخبار الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ

ﺑﺘﺴﺠﻴﻠﻚ في ﻫﺬﻩ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ البريدية، فإنَّك ﺗﻮاﻓﻖ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻼم اﻷﺧﺒﺎر واﻟﻌﺮوض والمعلوﻣﺎت ﻣﻦ الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ - Political Encyclopedia.

اﻧﻘﺮ ﻫﻨﺎ ﻟﻌﺮض إﺷﻌﺎر الخصوصية الخاص ﺑﻨﺎ. ﻳﺘﻢ ﺗﻮفير رواﺑﻂ ﺳﻬﻠﺔ لإﻟﻐﺎء الاشترك في ﻛﻞ ﺑﺮﻳﺪ إلكتروني.


كافة حقوق النشر محفوظة لدى الموسوعة السياسية. 2024 .Copyright © Political Encyclopedia